سورة النساء - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً} ألْبَتَّةَ {إلاَّ خطأ} إلاَّ أنَّه قد يخطئ المؤمن بالقتل {ومَنْ قتل مؤمناً خطأ} مثل أن يقصد بالرَّمي غيره فأصابه {فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} إلى جميع ورثته {إلاَّ أن يصدقوا} أَيْ: يعفوا ويتركوا الدية {فإن كان} المقتول {من قوم} حربٍ لكم وكان مؤمناً {فتحرير رقبة مؤمنة} كفارةً للقتل، ولا دية، لأنَّ عصبته وأهله كفَّار فلا يرثون ديته {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} كأهل الذِّمة فتجب فيه الدِّية والكفَّارة {فمن لم يجد} الرَّقبة {فصيام شهرين متتابعين توبة من الله} أَيْ: ليقبل الله توبة القاتل حيث لم يبحث عن المقتول وحاله، وحيث لم يجتهد حتى لا يخطئ.
{ومَنْ يقتل مؤمناً متعمداً...} الآية. غلَّظ الله وعيد قاتل المؤمن عمداً للمبالغة في الرَّدع والزَّجر.
{يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم} أَيْ: سرتم {في الأرض فتبيَّنوا} أَيْ: تأنَّوا وتثَّبتوا. نزلت في رجلٍ كان قد انحاز بغنمٍ له إلى جبلٍ، فلقي سريةً من المسلمين عليهم أسامة بن زيد، فأتاهم وقال: السَّلام عليكم، لا إله إلاَّ الله، محمد رسول الله، وكان قد أسلم، فقتله أسامة واستاقوا غنمه، فنزلت نهياً عن سفك دم مَنْ هو على مثل هذه الحالة، وذلك أنَّ أسامة قال: إنَّما قالها مُتعوِّذاً، فقال الله: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام} أَيْ: حيَّاكم بهذه التَّحيَّة {لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا} أَيْ: متاعها من الغنائم {فعند الله مغانم كثيرة} يعني: ثواباً كبيراً لمَنْ ترك قتل مَنْ ألقى إليه السَّلام. {كذلك كنتم من قبل} كُفَّاراً ضُلالاً كما كان هذا المقتول قبل إسلامِهِ، ثمَّ منَّ الله عليكم بالإِسلام كما منَّ على المقتول، أَيْ: إنَّ كلَّ مَنْ أسلم ممَّن كان كافراً فبمنزلة هذا الذي تعوَّذ بالإِسلام قُبِلَ منه ظاهرُ الإِسلام، ثمَّ أعاد الأمر بالتبيُّن فقال: {فتبينوا إنَّ الله كان بما تعملون خبيراً} أَي: علم أنَّكم قتلتموه على ماله، ثمَّ حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته إلى أهله، وردَّ عليهم غنمه، واستغفر لأسامة، وأمره بعتق رقبةٍ.
{لا يستوي القاعدون من المؤمنين غيرُ أولي الضرر} أي: الأصحَّاء الذين لا علَّة بهم تضرُّهم وتقطعهم عن الجهاد. لا يستوي هؤلاء {والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين} من أهل العذر {درجةً}؛ لأنَّ المجاهدين باشروا الطَّاعة، والقاعدين من أهل العذر قصدوها، وإن كانوا في الهمَّة والنيَّة على قصد الجهاد، فمباشرة الطَّاعة فوق قصدها بالنِّيّة {وكلاً} من المجاهدين والقاعدين المعذورين {وعد الله الحسنى} الجنَّة {وفضَّل الله المجاهدين على القاعدين} من غير عذرٍ {أجراً عظيماً}.
{درجاتٍ منه} أَيْ: منازلَ بعضُها فوقَ بعضٍ، من منازل الكرامة.


{إنَّ الذين توفاهم الملائكة} أَيْ: قبضت أرواحهم. نزلت في قومٍ كانوا قد أسلموا ولم يهاجروا حتى خرج المشركون إلى بدر، فخرجوا معهم فقتلوا يوم بدرٍ، فضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم، وقوله: {ظالمي أنفسهم} بالمقام في دار الشِّرك والخروج مع المشركين لقتال المسلمين {قالوا فيم كنتم} أَيْ: قالت الملائكة لهؤلاء سؤال توبيخٍ وتقريع: أكنتم في المشركين أم كنتم في المسلمين؟ فاعتذروا بالضَّعف عن مقاومة أهل الشِّرك في دارهم ف {قالوا كنا مستضعفين في الأرض} أَيْ: في مكة، فحاجَّتهم الملائكة بالهجرة إلى غير دارهم و{قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً} أخبر الله تعالى أنَّ هؤلاء من أهل النَّار، ثمَّ استثنى من صدق في أنَّه مستضعفٌ فقال: {إلاَّ المستضعفين} أي: الذين يوجدون ضعفاء {لا يستطيعون حيلة} لا يقدرون على حيلةٍ ولا نفقةٍ ولا قوَّةٍ للخروج {ولا يهتدون سبيلاً} لا يعرفون طريقاً إلى المدينة.
{ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً} أَيْ: مهاجراً ومتحوَّلاً {كثيراً وسعة} في الرِّزق {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله...} الآية. نزلت في حبيب بن ضمرة اللَّيثي، وكان شيخاً كبيراً خرج متوجِّهاً إلى المدينة فمات في الطَّريق، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو وافى المدينة لكان أتمَّ أجراً، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأخبر أنَّ مَنْ قصد طاعةً، ثمَّ أعجزه العذر عن تمامها كتب الله ثواب تمام تلك الطَّاعة، ومعنى {وقع أجره على الله} وجب ذلك بإيجابه.
{وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا...} الآية. نزلت في إباحة قصر الصَّلاة في السَّفر، وظاهر القرآن يدل على أنَّ القصر يستباح بالسَّفر والخوف، لقوله: {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} أَيْ: يقتلكم، والإِجماع منعقدٌ على أنَّ القصر يجوز في السَّفر من غير خوف، وثبتت السنَّة بهذا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولكن ذكر الخوف في الآية، على حال غالب أسفارهم في ذلك الوقت، ثمَّ ذكر صلاة الخوف فقال: {وإذا كنت فيهم}.


{وإذا كنت فيهم} أَيْ: إذا كنت أيُّها النبيُّ مع المؤمنين في غزواتهم وخوفهم {فأقمت لهم الصلاة} أَي: ابتدأت بها إماماً لهم {فلتقم طائفة منهم معك} نصفهم يصلُّون معك {وليأخذوا} أَيْ: وليأخذ الباقون أسلحتهم {فإذا سجدوا} فإذا سجدت الطَّائفة التي قامت معك {فليكونوا من ورائكم} أَي: الذين أمروا بأخذ السِّلاح {ولتأت طائفة أخرى} أَي: الذين كانوا من ورائهم يحرسونهم {لم يصلوا} معك الركعة الأولى {فليصلوا معك} الركعة الثانية {وليأخذوا حذرهم} من عدوهم {وأسلحتهم} سلاحهم معهم. يعني الذين صلَّوا أولَّ مرَّةٍ {وذّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم} في صلاتكم {فيميلون عليكم ميلة واحدة} بالقتال {ولا جناح عليكم إن كان بكم أذىً من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم} ترخيصٌ لهم في ترك حمل السِّلاح في الصَّلاة، وحملُه فرضٌ عند بعضهم، وسنة مؤكدة عند بعضهم، فرخص الله لهم في تركه لعذر المطر والمرض؛ لأنَّ السِّلاح يثقل على المريض، ويفسد في المطر {وخذوا حذركم} أَيْ: كونوا على حذرٍ في الصَّلاة كيلا يتغفَّلكم العدوُّ.
{فإذا قضيتُمُ الصلاة} فرغتم من صلاة الخوف {فاذكروا الله} بتوحيده وشكره في جميع أحوالكم {فإذا اطمأننتم} رجعتم إلى أهلكم وأقمتم {فأقيموا الصلاة} أتمُّوهها {إنَّ الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} مفروضاً موقَّتاً فرضه.
{ولا تهنوا} أَيْ: لا تضعفوا {في ابتغاء القوم} يعني: أبا سفيان ومَنْ معه حين انصرفوا من أُحدٍ. أمر الله تعالى نبيَّه عليه السَّلام أن يسير في آثارهم بعد الوقعة بأيَّام، فاشتكى أصحابه ما بهم من الجراحات، فقال الله تعالى: {إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون} أَيْ: إنْ ألمتم من جراحكم فهم أيضاً في مثل حالتكم من ألم الجراح {وترجون من الله} من نصر الله إيَّاكم، وإظهار دينكم في الدنيا، وثوابه في العقبى {ما لا يرجون} هم {وكان الله عليماً} بخلقه {حكيماً} فيما حكم.
{إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق} هذه الآية وما بعدها نزلت في قصة طعمة بن أُبيرق؛ سرق درعاً، ثمَّ رمى بها يهودياً، فلما طُلبت منه الدِّرع أحال على اليهوديِّ، ورماه بالسَّرقة، فاجتمع قوم طعمة وقوم اليهوديِّ، وأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل قوم طعمة النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنْ يجادل عن صاحبهم، وأن يُبرِّيَه، وقالوا: إنك إنْ لم تفعل افتضح صاحبنا وبرئ اليهوديُّ، فهمَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يفعل، فنزل قوله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق} في الحكم لا بالتَّعدي فيه {لتحكم بين الناس بما أراك الله} أَيْ: فيما علَّمك الله {ولا تكن للخائنين} طعمة وقومه {خصيماً} مخاصماً عنهم.
{واستغفر الله} من جدالك عن طعمة، وهمِّك بقطع اليهوديِّ.
{ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم} يخونونها بالمعصية؛ لأنَّ وبال خيانتهم راجعٌ عليه. يعني: طعمة وقومه {إنَّ الله لا يحبُّ مَنْ كان خوَّاناً أثيماً} أَيْ: طعمة، لأنَّه خان في الدِّرع، وأَثِم في رميه اليهوديَّ.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10